‏إظهار الرسائل ذات التسميات منوع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات منوع. إظهار كافة الرسائل
الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

الأبكم الفصيح

الأبكم الفصيح





الأبكم الفصيح



هذه من عجائب القصص، ولولا أن صاحبها كتبها لي بنفسه، ما ظننت أن تحدث. يقول صاحب القصة، وهو من أهل المدينة النبوية: أنا شاب في السابعة والثلاثين من عمري، متزوج، ولي أولاد. ارتكبتُ كل ما حرم الله من الموبقات. أما الصلاة فكنت لا أؤديها مع الجماعة إلا في المناسبات فقط مجاملة للآخرين، والسبب أني كنت أصاحب الأشرار والمشعوذين، فكان الشيطان ملازماً لي في أكثر الأوقات.
كان لي ولد في السابعة من عمره، اسمه مروان، أصم أبكم، لكنه كان قد رضع الإيمان من ثدي أمه المؤمنة.
كنت ذات ليلة أنا و ابني مروان في البيت، كنت أخطط ماذا سأفعل أنا والأصحاب، وأين سنذهب. كان الوقت بعد صلاة المغرب، فإذا ابني مروان يكلمني (بالإشارات المفهومة بيني وبينه) ويشير لي: لماذا يا أبتِ لا تصلي؟! ثم أخذ يرفع يده إلى السماء، ويهددني بأن الله يراك. وكان ابني في بعض الأحيان يراني وأنا أفعل بعض المنكرات، فتعجبتُ من قوله. وأخذ ابني يبكي أمامي، فأخذته إلى جانبي لكنه هرب مني، وبعد فترة قصيرة ذهب إلى صنبور الماء وتوضأ، وكان لا يحسن الوضوء لكنه تعلم ذلك من أمه التي كانت تنصحني كثيراً ولكن دون فائدة، وكانت من حفظة كتاب الله. ثم دخل عليّ ابني الأصم الأبكم، وأشار إليّ أن انتظر قليلاً…فإذا به يصلي أمامي، ثم قام بعد ذلك و أحضر المصحف الشريف ووضعه أمامه وفتحه مباشرة دون أن يقلب الأوراق، ووضع إصبعه على هذه الآية من سورة مريم: { يا أبت إني أخاف أن يمسَّـك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليّــاً}
ثم أجهش بالبكاء، وبكيت معه طويلاً، فقام ومسح الدمع من عيني، ثم قبل رأسي ويدي، وقال لي بالإشارة المتبادلة بيني وبينه ما معناه: صلِّ يا والدي قبل أن توضع في التراب، وتكون رهين العذاب...و كنت – و الله العظيم – في دهشة وخوف لا يعلمه إلا الله، فقمت على الفور بإضاءة أنوار البيت جميعها، وكان ابني مروان يلاحقني من غرفة إلى غرفة، وينظر إليّ باستغراب، وقال لي: دع الأنوار، وهيا إلى المسجد الكبير – ويقصد الحرم النبوي الشريف – فقلت له: بل نذهب إلى المسجد المجاور لمنزلنا. فأبى إلا الحرم النبوي الشريف، فأخذته إلى هناك، وأنا في خوف شديد، وكانت نظراته لا تفارقني البته...

ودخلنا الروضة الشريفة، وكانت مليئة بالناس، وأقيم لصلاة العشاء، وإذا بإمام الحرم يقرأ من قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا } [النور:21]

فلم أتمالك نفسي من البكاء، و مروان بجانبي يبكي لبكائي، وفي أثناء الصلاة أخرج مروان من جيبه منديلاً ومسح به دموعي، وبعد انتهاء الصلاة ظللتُ أبكي وهو يمسح دموعي، حتى أنني جلست في الحرم مدة ساعة كاملة، حتى قال لي ابني مروان: خلاص يا أبي، لا تخف....فقد خاف علي من شدة البكاء .

وعدنا إلى المنزل، فكانت هذه الليلة من أعظم الليالي عندي، إذ ولدتُ فيها من جديد. وحضرتْ زوجتي، وحضر أولادي، فأخذوا يبكون جميعاً وهم لا يعلمون شيئاً مما حدث، فقال لهم مروان: أبي صلى في الحرم. ففرحتْ زوجتي بهذا الخبر إذ هو ثمرة تربيتها الحسنة، وقصصتُ عليها ما جرى بيني وبين مروان، وقلتُ لها: أسألك بالله، هل أنت أوعزتِ له أن يفتح المصحف على تلك الآية؟ فأقسمتْ بالله ثلاثاً أنها ما فعلتْ. ثم قالت لي: احمد الله على هذه الهداية. وكانت تلك الليلة من أروع الليالي. وأنا الآن – ولله الحمد – لا تفوتني صلاة الجماعة في المسجد، وقد هجرت رفقاء السوء جميعاً، وذقت طعم الإيمان...فلو رأيتَني لعرفتَ ذلك من وجهي . كما أصبحتُ أعيش في سعادة غامرة وحب وتفاهم مع زوجتي وأولادي وخاصة ابني مروان الأصم الأبكم الذي أحببته كثيراً ، كيف لا وقد كانت هدايتي على يديه

قصة الغضب

قصة الغضب




الغضـب
قصة محمود البدوى

خرج إبراهيم من المنزل فى الضحى .. وأخذ يسير فى شوارع القاهرة كالضال .. وهو شاعر بأقصى درجات التعاسة .. فقد ظل يبحث عن وظيفة منذ تخرج من الجامعة وطال البحث والتنقل بين المكاتب والدواوين دون نتيجة ..

وكان فى جيبه ثلاثون قرشا ولم يكن يعرف بعدها كيف يواجه الحياة .. فقد باع كل ما يمكن أن يملكه بما يسد رمقه .. حتى كتبه باعها .. ولم يبق لديه شىء يباع وأصبح فى حالة قاتلة من اليأس والعذاب وسدت أمامه كل المنافذ وأظلمت الدنيا فى عينيه حتى فكر فى الانتحار كآخر وسيلة للخلاص مما هو فيه من بؤس ..

وكان ينقل الخطو متثاقلا وفى رأسه الخاطر الأسود الذى أخذ يلح عليه ..

ولاحظ لأول مرة وهو يمشى فى شارع سليمان باشا تجمعات الجماهير فى أكثر من مكان ثم ضوضاء وصخب وأخذت الضوضاء ترتفع ويعلو ضجيجها حتى اشتم رائحة الثورة من الأنفاس المتحركة فى الطريق ..

كان هناك شىء لم يدركه يجرى فى قلب القاهرة .. شىء لم يكن فى حسبانه .. ولكن حدوثه كان مقدرا بعد العناوين المثيرة التى فى صحف الصباح عن معركة الاسماعيلية بالأمس بين جنود بلوكات النظام والإنجليز ..

اشتم رائحة الثورة وهو يتحرك وحده فى الشوارع الضيقة .. فلما أشرف على ميدان مصطفى كامل رأى أبواب المتاجر تتحطم .. والناس تتدفق كالسيل فى موج يدفعه موج .. فشعر بهزة وسار فى ركابها ..

وكانت الجموع تزداد فى كل لحظة هياجا وغضبا .. وترتد عن الشارع ثم تعود إليه .. وبدا له جليا أنه لايحركها ولا يصدها أحد .. وأنها تتحرك من تلقاء نفسها بفعل الغضب وحده .. تتحرك وهى ترعد .. ومن عيونها يطل الشرر ..

وكلما انتقل من شارع إلى شارع كان يسمع خبرا مثيرا وجديدا عن معركة الأمس .. كان يسمع خبرا يلهب حماس الجماهير ويزيد من غضبها ..

ولما وصل إلى شارع " فؤاد " رأى لونا آخر من الغضب على وجوه الجموع الحاشدة .. رأى غضبا أسود لم يره من قبل ..

رأى الأثاث يلقى من النوافذ والشرفات والنيران تشتعل فى المتاجر والبيوت ..

وسمع الصراخ يقرع أذن الجوزاء وبدأت أجراس عربات المطافىء تدوى فى الشوارع .. جرس وراء جرس .. والخراطيم تمتد على الأرض .. والسلالم الطويلة تصل إلى السقوف ..

وأخذ الماء يتدفق فى الشارع ويغسل واجهات العمارات العالية وامتلأت الطرقات بالهباب وبعروق الخشب المتساقطة والنوافذ المحطمة وقطع الزجاج المهشم ..

وردته الجماهير إلى مكان آخر من نفس الحى .. وشاهد الجموع تجرى فجرى معها دون أن يدرى الغاية من العدو .. ثم توقفت وأخذت تسير فى صفوف متراصة وخيل إليه أنها أصبحت تسد عين الشمس ..

ولمح خوذات رجال المطافىء النحاسية تلمع وضباب الدخان يملأ الجو وشعر بصدره يضيق من الدخان فانحرف إلى شارع عبد الخالق ثروت وهناك شاهد نفرا من الناس يحاول أن يحطم باب أحد المتاجر .. فوقف من بعيد يراقبها دون أن يشترك معها فى العمل ..

ولما تحطم الباب الحديدى .. رآهم يتدفقون إلى الداخل وراقب العمل بطراوة وشاقه منظرهم الوحشى فأسرع اليهم ودخل معهم المتجر ورآهم يلتقطون المجوهرات والساعات فى لمح البصر ويحشون بها جيوبهم ..

ودون أن يشعر أو يحس بما فعل امتدت يده سريعا ووضع " عقدا " من الجواهر الثمينة فى جيبه .. وأحس بالعرق وهو يفعل هذا ولكنه لما خرج من المحل .. عاد إلى نفسه ومشى هادئا فى الطريق ثم الفى نفسه يسرع ويخرج من الشارع ..

وكان قد دخل فى قلب المعركة وشاقه العمل كله .. شاقه تدفق الجماهير فى الشوارع وحماستها وصياحها وصخبها بل شاقه النهب نفسه ..

وكانت النيران تشتعل وأسقف البيوت تتداعى حواليه ..

وسمع عن قرب صوتا مضطربا كان صوت الرصاص المنطلق والصراخ يمزق السكون ..

وجاءت عدة طلقات فى تعاقب سريع ..

وأدرك أن العمارة المجاورة تحترق .. ان حى البنوك يحترق فى الحال ..
وكان شعاع الشمس يتخلل الدخان الاسود ..

ودفعته الجموع إلى عمارة عالية فى الشارع وصعد السلالم معهم بقوة الدفع ..

ولم يكن وهو يصعد يعرف الغرض من صعودهم وفى الدور الثالث توقف على البسطة ..

وسأل شاب من الصاعدين ..
ـ إلى أين نصعد ..؟
ـ فوق .. انجليز فى الدور الخامس ..
ـ لايوجد انجليز فى هذه العمارة ..
قالها بسرعة دون أدنى تفكير ..
ـ وكيف عرفت هذا ..؟
ـ أعرف عن يقين .. لايوجد إنجليز هنا ..
ـ بل يوجد فى الدور الخامس .. والناس كلها تقول ذلك .. ومن أنت أتسكن هنا .. ؟
ـ أبدا ..
ـ وكيف تنفى وجودهم إذن .. انك خائن .. جاسوس ..
ـ جاسوس .. جاسوس ..
وسمع الكلمة فارتعش قلبه .. وأحاطت به الجماهير .. وأحس بأنه يختنق .. وأخذوا يضربونه .. فأفلت منهم وجرى على وجهه إلى تحت ..
وفى الشـارع كان يعـدو كالمخبـول ويسـمع الكلمة تلاحقه ..
ـ جاسوس .. جاسوس ..
فذعر وفر هاربا ..

ووجد نفسه بعد أن انخلع قلبه من الذعر والعدو .. يدخل أول بيت صادفه .. ويصعد السلالم سريعا .. ووقف أمام شقة فى الدور الرابع .. وضغط على الجرس بهلع .. فقد كانت الأقدام تلاحقه على السلم .. وأطلت سيدة من وراء الباب .. وقبل أن تفتح فمها كان قد دخل والدم يسيل من وجهه وأغلق الباب ووقف وراءه .

فنظرت إليه السيدة فى استغراب ووجل ولكن حالة الذعر التى كان عليها وصياح الجماهير وراءه جعلها تدرك حاله ..

وسمع الأصوات على السلم تصيح :
ـ أين ذهب ..؟
ـ هرب .. ودخل شقة فى هذا الدور ..
ـ فى هذه الشقة ..

وأخذوا يقرعون كل الأبواب .. ولما قرعوا باب الشقة التى دخل فيها ابيض وجه السيدة ولم تفتح وحبست انفاسها وظلت فى مكانها جامدة .. وسقط إبراهيم فى هذه اللحظة مغمى عليه من الخوف .. لما تصور أنهم شرعوا يحطمون الباب ..

وأخذت السيدة وخادمتها تحاولان اسعافه بكل الطرق وشعرت بهم وهم يهبطون الدرجات ويرحلون ..

ولما أفاق إبراهيم وجد نفسه ممددا على كنبة .. والسيدة وخادمتها تسعفانه وتغسلان جراحه .. فتذكر ما حدث ونظر إلى السيدة فى ذلة كان يخشى أن تطرده بعـد أن اسـترد وعيه ..

وسمعها تقول للخادمة ..
ـ اعملى قهوة يا ستيته للأفندى ..
ـ شكرا يا سيدتى لاداعى للتعب ..
ـ القهوة تنفعك فى هذه الحالة .. اسرعى يا ستيته ..
وعادت ستيته تحمل صينية القهوة

وأخذ إبراهيم يترشف فنجانه فى تؤدة وهو يشكرها .. ولاحظ أن ملابسها خفيفة رغم برد الشتاء ..

وكانت جميلة ريانة العود طويلة بيضاء البشرة ولاتزال رغم أنها تعدت الثلاثين سنة شابة فى نضارتها والدم الجارى فى شرايينها .. وخمن من السكون الذى طالعه من البيت أنها تعيش مع خادمتها ..

وسألته وهى تنظر إلى عينيه ..
ـ ما الذى فعلته ..؟
ـ لاشىء اطلاقا ..
ـ ولماذا يطاردونك إذن ..
ـ اتهمونى .. بأنى جاسوس ..
وضحكت ..
ـ جاسوس يمكن أن يكون هذا صحيحا ..
ـ صعدوا إلى عمارة فى الشارع المجاور وهم على حالهم من الغضب ورأيت السكان يطلون من النوافذ فى رعب قاتل .. فأشفقت عليهم من هذا الاعصار الذى يدمر كل شىء فى طريقه .. قلت لهم انه لايوجد انجليز فى العمارة فاتهمونى بالجاسوسية .. وكادوا يقتلوننى ..
ـ وهل شاهدت النيران .. القاهرة تحترق ..
ـ ومن الذى أضرم هذه النيران ..
ـ المخربون والفوضويون .. وهم كالجرذان فى هذه الساعة ..
ـ وغضب الجماهير يجعلهم يؤدون مهمتهم بنجاح ..
ـ أجل .. الغضب الأسود ..

وأخذت صاحبة البيت تتأمله فى سكون .. ولما بصر بالعذوبة فى عينيها والرقة فى حديثها أخذ يتأملها بدوره فبدا له جليا من لون عينيها وبشرتها ولهجتها أنها مصرية وغالبا تعمل فى الليل وتستريح بالنهار وخمن أنها راقصة فى ملهى أو غانية من بنات الهوى .. ولهذا اختارت السكن فى هذا الحى ..
أخذت تنظر إليه فى حنان وعلى ثغرها ابتسامة جميلة ..
وذاب تحت سحر نظراتها ..

وفكر فى هذه اللحظة فى العقد .. وكان قد نسيه فى غمرة الحوادث التى مرت به .. وتحسسه فى جيبه فألفاه فى مكانه .. وعجب أن أيدى الجماهير التى سحقته وضربته لم تمتد إليه . وفكر فى أن يقدمه فى هذه الساعة إلى هذه السيدة .. ثم رأى أن يؤجل ذلك إلى حين ..

وعجب لنفسه وهو يرغب فى الموت فى كل لحظة لماذا فر منه عندما وجد الموت محققا .. وعندما وجد الجماهير تود أن تفتك به .. أخشى من التعذيب أم لأن النفس عزيزة ولا تهون إلا فى حالة التفسخ والجنون ؟..

وأخذ يتأمل حاله وكان كلما هم بالانصراف أبقته السيدة بكلمات طيبة شجعته على البقاء .. وكانت الساعة قد قربت من الثانية بعد الظهر ..

وشعر بالخادمة وهى تعد سفرة الغداء .. ودعته إلى الطعام فلم يرفض لأنه كان يشعر بجوع شديد .. وجلس يأكل بشهية .. وهى تلاحظه وتقدم له الطعام بحنان ..

ولما فرغ قال لها :
ـ انها أشهى أكلة أكلها فى حياته ..
فسرت احسـان من هـذا الاطـراء الذى هـز أعماق أنوثتها ..

وكانت الخادمة ستيتة كما أمرتها سيدتها قد أغلقت جميع الأبواب والنوافذ ولما كانت الشقة داخلية ولا تطل على الشارع فقد بدت الردهة معتمة ..

وكان كلما هم بالخروج أبقته السيدة احسان وقالت له أنها تخاف الآن ولم تشعر بمثل هذا الخوف فى حياتها .. بعد أن رأت النيران مشتعلة فى الحى .. والجماهير الغاضبة .. وترجوه أن يبقى معها هذه الليلة ما دام يعيش وحده فى القاهرة ولن ينزعج أحد لغيابه عن البيت ..
ورأى من توسلاتها ونظرات عينيها أن يبقى ..

وجلس يتحدث مع احسان حتى دخل الليل وأخبرته أنها تشتغل راقصة فى ملهى بشارع عماد الدين وأنها تعيش وحدها مع الخادمة .. وتذهب إلى المرقص فى الساعة التاسعة ليلا .. ولكنها هذه الليلة لن تذهب بالطبع .. وربما كان الملهى نفسه يحترق فى هذه الساعة فقد سمعت أن الحريق امتد إلى بناية مجاورة له ..

ورآها جميلة وطيبة وعذبة الحديث وفيها رقة وصفاء فحزن لأنها تحترف هذه المهنة وتعرض جسمها عاريا كل ليلة للأنظار المتوحشة ..

وسألها :
ـ هل تربحين كثيرا من هذه الحرفة ..؟
ـ أبدا .. واخترتها بعد عذاب .. وجوع ..
ونظرت إلى السـقف كأنها تحلم أو تسترجع شريط حياتها ..

وقالت بصوت ناعم الجرس :
ـ كنت متزوجة من شاب وسيم وغنى وكنت صغيرة .. وأطوع له من بنانه .. ولكنه خاننى أبشع خيانة ..
ـ كيف .. ؟
ـ كنت مريضة بالتيفود .. وطريحة الفراش .. وذات ليلة وجدته يحتضن الخادمة .
ـ وتركته بعدها ..؟
ـ أجل طلبت الطلاق .. وكنت وحيدة وفقيرة وأريد أن أشتغل فى أى عمل أعيش منه .. حتى غسالة فى البيوت .. لأصون نفسى من الدنس .. وأظل عفيفة .. ولكن .. أى رجل لايتقاضى ثمن خدماته للمرأة المسكينة !؟ ودفعت الثمن لأول رجل شغلنى فى مصنع للتريكو .. وبعدها هانت علىّ نفسى واحترفت الرقص .. وأنا أعيش مستقلة ..
ـ ومسرورة بعملك .. وشاعرة بالراحة ..؟
ـ لقد تبلد احساسى فى الواقع .. لم يعد له احساس الأنثى .. وأنا أمثل فى كل ليلة .. أتكلف الابتسام والضحك لأرضى الزبون ..
وأمنيتى أن أقع على من يخفق له قلبى .. ويسمعنى كلمة حلوة مجردة من كل غرض ..
ـ أو لم تسمعى هذه الكلمة بعد ..؟
ـ أبدا .. ما سمعتها قط ..
ـ ان هذا محزن فى الواقع ..

ورفعت رأسها إلى عينيه وسألته :
ـ لماذا يبدو وجهك شاحبا .. هل لازلت خائفا ..
ـ ذهب عنى الخوف .. ولكن هذا من أثر الجوع ..
ـ وهل أنت فقير إلى هذا الحد .. ولماذا لاتعمل ؟
ـ فقير جدا .. ومنذ سنين وأنا أبحث عن عمل .. دون نتيجة ..
ـ تعال عندى فى الملهى وأشغلك ..
ـ فى أى وظيفة ..؟
ـ سأجعلك تراقب الزبائن فى الصالة ..
ـ لست من ذوى العضلات الحديدية حتى أصلح لهذا .
ـ أى عمل .. أى عمل تحبه ..
ـ يا سيدتى شكرا جزيلا ..

وحدقت فى وجهه طويلا .. وقالت :
ـ لا أدرى أين رأيتك من قبل .
ـ وأنا كذلك أسائل نفسى هذا السؤال..
ـ ولهذا لم يكن وجهك غريبا عنى وأنا أفتح لك الباب .
ـ لقد نجيتنى من الموت .. ولا أدرى كيف أشكرك ..

وتحسس العقد فى جيبه .. ثم أخرجه وقدمه لها ..
وبرقت عيناها وحدقت فى عجب ..
ـ ما هذا ..؟
ـ عقد وجدته ملقى فى الطريق .. سقط من الذين نهبوا المتاجر ..
ولم يشأ أن يقول لها أنه سرقه ..

وسألته :
ـ أنهبوا المتاجر ..؟
ـ معظم الحوانيت فى هذه المنطقة .. نهبت وحرقت ..
ـ يا ليتنى كنت هناك ، كنت ملأت بيتى بكل ما يعوذنى من تحف وجواهر ..
وضحكت ..

فقال :
ـ أنزل .. وأملأ لك جيوبى ..؟
ـ أتسرق ..؟
ـ لقد سرقت ..
ـ سرقت ..؟!!
ـ نعم وهذا العقد سرقته .. لم أجده فى الشارع كما قلت لك من قبل ..
واحمر وجهه ..

ولاحظ أن لون وجهها شحب ونظرت إليه باشفاق ..
ـ ولماذا فعلت هذا وأنت شاب وأمامك الحياة الشريفة .. تشق طريقها بأظافرك ..؟
ـ لقد فعلت ما فعل الناس .. وجدتهم يسرقون ويغشون ويكذبون .. ففعلت مثلهم ..

ـ وهل الناس جميعا هكذا كما تصورت .. انك ناقم على المجتمع لأنك عاطل .. ولماذا تبحث عن وظيفة فى الحكومة .. ابحث عن عمل آخر وهناك عمل لكل من يكافح ..

ـ ما الذى أفعله وأنا فقير .. والأجانب يسيطرون على كل الأعمال الحرة ويمسكون الخيوط فى أيديهم .. ولا أحد يستطيع أن يتسلل من هذا الحصار ..

ـ هذا حق .. ولكن على المرء أن يسعى ..
ـ لقد سعيت كثيرا وتعبت ..
ـ داوم على الطرق ..
ـ الآن وقد بعثت فى روحى الأمل سأداوم ..
ـ ضع العقد فى جيبك ..
ـ كيف .. اننى أقدمه لك ..
ـ ضعه فى جيبك لا أحب أن تراه ستيتة ..
ـ ولماذا تردينه ..؟
ـ لتقدمه للبوليس .. قل أنك وجدته ملقى فى الطريق ..
ـ سيقبضون علىّ .. هل أنا مجنون حتى أفعل هذا .. سيقبضون علىّ وأدخل السجن بسبب حماقتى ..
ـ والآن أنت مستريح ..
ـ كل الراحة ..
ـ اذن خذه ..

ونهضت ووضعت العقد فى جيبه .. كما كان .. وأحس بجسمها وهى تفعل هذا يلامس جسمه ويضغط عليه .. فأحس بلسع النار .. وظهر الاضطراب على وجهه .. ولكنه بعد قليل سيطر على عواطفه ..

وانسابت بخفة إلى المطبخ وهى تقول :
ـ سأعد العشاء بنفسى ..

وجلسا يتعشيان فى غرفة الطعام وكان الليل قد قارب منتصفه والنيران مشتعلة فى الشوارع المجاورة والدخان يملأ جو السماء .. وكانت الخادمة قد تكورت فى فراشها منذ ساعات .. وبقيا ساهرين وحيدين وأحسا بالهدوء والألفة وكان قد عشقها من أول نظرة .. وبادلته نفس الاحساس ولكن بتحفظ المرأة المجربة ..

وكان من عادتها أن تشرب قليلا من الكونياك مع العشاء .. فجعلته يشرب معها .. وشرب وأحس بالنشوة والشجاعة على محادثتها بكل ما يشعر به .. أفضى لها بكل أحاسيس نفسه .

ولما حان وقت النوم فرشت له فى غرفة الجلوس ..
وقالت له :
ـ تصبح على خير ..

واستدارت لتخرج من الغرفة فوجد نفسه تحت تأثير الخمر يطوقها بذراعيه ويطبع على خدها قبلة ..

فأفلتت منه سريعا .. وقالت بصوت فيه رنة الغضب :
ـ لماذا تفعل هذا .. أتحسبنى رخيصة وسهلة المنال إلى هذا الحد ..؟
ـ ما فكرت فى هذا .. اننى ..
ـ هل ظننت وأنت فى جيبك الثمن .. أنه من السهل أن تلقينى على الفراش ..
ـ يا سيدتى أعتذر .. وسأخرج الساعة ..
ـ تفضل ..
وأخذ يرتدى سترته وكان قد خلعها لينام ..

ومشى إلى الباب وقبل أن يفتحه أشفقت عليه من الليل والظلام وما يحدث فى الخارج .. وأمسكت بيده .. وجذبته إلى غرفتها .. وأغلقت عليها الباب ..

***

وفى الصباح استيقظ عندما لاح النور .. وهو يحس بسعادة دافقة أحس بأنه قضى معها ليلة العمر ..

ولبس ملابسه سريعا .. وكانت احسان لاتزال نائمة .. وتعمد ألا يحدث أقل حركة توقظها ..

وترك لها العقد بجوار الفراش وتسلل بهدوء .. وفتح الباب .. وخرج إلى الطريق ولم يكن يعرف أن التجول ممنوع فى هذه الساعة ..

وقبل أن يخرج من الشارع .. حسبه جندى الحراسة .. لصا من الذين تسللوا إلى المتاجر التى تحطمت .. أبوابها .. فأطلق عليه النار .

وسقط فى مكانه

محب التائبين

محب التائبين




 

محب التائبين

صالح بن ضيف الله الفريدي
الحمد لله محب التائبين، وقابل توبة الغافلين، وماحي ذنوب العاصين، والصلاة والسلام على داعي اللاهين، وهادي الحائرين..
أما بعد..


في ليلة من الليالي التي أنِسْتُ بها أو هكذا سوّلت لي نفسي، والتي أحببت فيها جازماً أن أروِّض نفسي على الطاعة للوصول إلى الغاية العظمى والهدف المنشود وهو رضاالله سبحانه، والاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

فعلاً أحبابي....

اشتقت للقاء ربي، وتاقت نفسي للرحيل للجنة، وبدأت أتذكر تلك الحياة والأيام التي عشتها وعاشها غيري من بني آدم..

الحياة التي هي -وأيم الله- فرصة عظيمة للطاعة والتوبة.

ميدان فسيح للعبادة...

زمن صالح للمسارعة في الخيرات!!...

أعمار تجري!!...

شهور تسير !!..

أيام حلوة ومرّة تنقضي!!...

دنيا تمضي كلمح البصر!!...

أضغاث أحلام!!...

نسير إلى الآجـــــال في كل لحظة
 
وأيامنا تطوى وهُنَّ مراحـــــــل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا
 
فكيف به والشيب للرأس شاعل؟؟!!


مضت تلك الليلة على أحسن حال ولله الحمد, وزادها جمالاً تذكُّري لقصة عجيبة ممتعة، ذكرها لي ورواها أحد كبار السن من أهل المحافظة التي أعيش بها!!!..........

زرت هذا الرجل الصالح الذي دائماً ما يعطر مجلسه! ويشنّف آذان سامعيه بذكرتجاربه في هذه الحياة وآلامـها التي مرًعليها!!..

هذا الرجل الذي تجاوز عمره السبعين.. قضاها في طاعة الله ورسوله.. وأنهك جسمه بالبحث عن مصدر رزقه وأولاده.. أحسبه والله حسيبه!!!!..

قال لي:

كنت أسافر أطوي الفيافي والقفار..

يمنة مرة ويسرة مرة!!

للشمال والجنوب!!..

للشام مرة ولمكة مرة!!...

حتى تعرفت في مكة المكرمة على أخوين شقيقين، ودرات لي معهما بيع وشراء ومعرفة وصداقة...

وبعد الطفرة التي مرّت على بلادنا، جلست في بلدي التي أعيش فيها....

مرّ على هذا الحال أكثر من عشرين سنة!!! وهو آخر لقاء تم بيني وبين الأخوين في مكة!!!.

وفي إحدى سفرياتي لمكة المكرمة لأداء العمرة.. قلت في نفسي لماذا لا أزور الأخوين في دارهما؟؟... وعقدت العزم خاصة بعد السنين التي تصرمت ولم أزرهما أبداً !!.

ذهبت إليهما في عام 1419هــ وبحثت عنهما ووجدتهما...

الله أكـــــــــــبر!! ما أقسى الأيام!! وما أبغض الفراق!!..

تركتهما قبل نيف وعشرين سنة وهم على حال متوسطة وميسورة...

دخلت على الأخ الأصغــر!! وأدخلني أحد أطفاله في بيته الضيق الذي من علاماته تدل على حال العوز لساكنيه!!!..

وبعد لحظة جاء الأخ الأكبــر الذي من أول وهلة ترى آثار الهداية والإستقامة قد بدت على محياه!! فنور الصلاح يشع من وجهه الباسم...

أخذته بالأحضان، وتلا قت الأدمع مع بعضها تشكي طول الهجر ولوعة الفراق.. كل منّا رحّب بأخيه، وكنت أتحسس من وجهه حزناً مدفوناً!!.

وحشرجة معانــــــــاة!!.. وألحظ في نبرة صوته آهات وزفرات مليئة بالألم!!! .. ربما أكون مخطئاً... الله أعلم!..

أخذت وإياه أتبادل الأحاديث ونتسامر بطيب الكلام وقصص الماضي... جلسنا على هذه الحال حيناً، ولم يعكر طيب اللقاء إلا صوت طفل صغير وهو ابن للأخ الأصغر الذي لم أره إلى الآن!!..

آثر الدخول علينا.. وفي لحظة سريعة دخل هذا الصبي صاحب الأربع سنوات.. وهو يدغدغ مشاعرنا بكلماته وصرخاته البريئـــــة..

قال الطفل لي:

عمي هل تسمح لي أن أقلد صلاة عمي؟؟ بكل براءة وعفوية قلت له: نعم يابني !!!.

قام وأخذ السجادة وفرشها وابتدأ بالفاتحة الركيكة وهو يقلد عمه الأكبر.. ويركع ويسجد ويرفع يديه على شكل القنوت.. سبحان الذي علمه وفهمه!!.

ثم في شكل سريع وبدون مقدمات!!. قال للمرة الثانية: عمي هل تسمح لي أن أقـــلِّد بابا!!!.. وهو يمشي إذا شرب بالكأس الموجود في غرفته!!.

حاول عمه الأكبر أن ينهره ولكن بدون فائدة.. الله اكبـــــــــــر!!

أتدرون أيها الأخــــــــــوة ماذا قلد هذا الطفل البريء؟؟....

قلد أباه وهو يشرب الخمر.. أم الخبائث!!

قلده وهو مضيع لعقله!.

قلده وهو يتأرجح يمنة ويسرة!.

قلده وهو يزبد ويسب ويشتم!! .

الله أكـــــــــــــبر .....


وينشأ ناشئ الفتيان فينا ............على ما كان عوَّده أبوه!!

وفي لحظة انبهارنا بالوضع الذي عشناه والصدمة التي لحقت بي وبعمه... دخل الأخ الأصغر. وقمت لمعانقته والتسليم عليه ولكنه لم يعرفني.. عانقته وصافحته. وجلست عن يمينه. قلت له يا.... هل ما زلت لا تذكرني؟؟ أنا فلان، أبو عبد الله....

سبحان الله...

قلت في نفسي:

تغير عليّ ذلك الوجه الوضئ منذ سنوات..

غيرته السنون!!..

غيرته جلسات الســـــــــــــــوء !!!

غيرته الخمر وأم الخبائث!!..

غيرته ترك الصلاة !! غيرته بعده عن الحرم فمنذ سنوات لم يزره !!

قلت له:

هل رأيت شيئاً ؟؟..

مباشرة قال نعم، وسمعت كل شيء من فم الطفل... وهذا ديدنه عند كل ضيف يحل علينا.. ثم أخرج زفرة مبحوحة... الله يهدينــــــــا!!! ..

الله أكبر...

الله أكبر...

الله أكبر...

قال الأخ الأكبر: الله يهدي الجميـــــــــــع!!

سكتنا جميعاً.. نسيت نفسي..

صمت رهيب... قطعه شهقة طويلة من فم الأخ الأصغـــــــــر وسريعاً إنطرح على رجلي أخيه الكبيـــر وقال بصوت عالي...!!

سامحني يا أخي..

لطخت سمعتك الطيبة عند كل الناس!

أنا تعبت يا أخي من المعاصي!...

مللت من الخمـــرة!...

مللت من نفسي!.

مللت من أولادي!..

مللت من كل شيء، من الحياة، البيت، الأصحاب..

وبدأ أخوه المستقيم يهدِّئه ويرسل على خديه الدموع الرقيقة تتقاطر على وجه أخيه العاصي..

ويقول له: لا عليك!! الله يغفر لك! الله يغفر لك! الله يغفر لك !!

الله أكبر، ملا مح التوبة لهذا التائب بدأت تلوح في الأفق!!..

قال محدثي:

ولاحت لي فرصة عظيمة في التذكير والوعظ ولم أتمالك نفسي مع الدموع الساخنة التي تحدرت على لحيتي وقلت له:

{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ...

{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى } ...

التوبة غسل للقلب بماء الدموع وحرقة الندم..

تب إلى ربك..

الله قريب من عباده..

الله غفور..

الله رحيم..

الله لطيف..

التوبة هروب من المعصية والخمر إلى الطاعة والذكر..

الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها..

هيا إلى التوبة..

إلى الصلاة..

إلى الذكر..

إلى القرآن..

إنك ستموت وحدك!!

وتُغسل وحدك!!

وتُحمل وحدك!!

وتُقبر وحدك!!

وتُبعث وحدك!!

و تُحاسب وحدك!!

ثم بدأ يتمتم ويجر بكائه حتى انتهى، وأخوه قد أخذه بأحضانه وضمه إلى صدره!!!

ثم قام سريعاً وعاد سريعاً ومعه ثلاثة كراتين جديدة. لا نعلم ما بداخلها..!!

فتحها أمامنا وإذا بها زجاجات خمر والعياذ بالله... أخذها بيديه وقام يكسرها ويقذف ما بها في دورة المياه القريبة أعزكم الله...

ولما انتهى أرتاح قليلاً وجلس بيننا وقلت لأخيه الكبير:

لابد وأن ترى له إخوة صالحين يساعدونه على تجاوز هذه المرحلة.. أطرق برأسه، وقال نعم إن شاء الله تعالى!!

قمت من مجلسي وأستأذنتهما بالذهاب.. ودّعتهما ودعوت لهما بالتوفيق والسداد...

الله اكبــــــــر أيها الأخوة!!

التوبة ملاذ مكين..

وملجأ حصين..

دنس المعاصي يُغسل بماء التوبة..

ولوثة الخطايا تُزال بزلال الاستغفار..

ما أجمل التوبة!!..

«إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهارليتوب مسيء الليل»

تركتهما فترة تقارب السنة وزرت الأخ الأكبر، أخذت أسأله عن أخيه؟..

قال لي:

إن أحد الدعاة قال له أن يغير بيئته ومكانه.. وهو الآن في جدة وطيب ولله الحمد!!..

حمدت ربي أن الله هداه ويسر له حياته مع الهداية والصحبة الطيبة...

وبعد سنة أخرى!! جائني اتصال من أخيه الأكبر، وبعد التحية قلت له: كيف حال أخيك؟؟

تلعثم..

سكت..

بكى..

زفرة ألم في حلقه..

قلت له ما بالك؟؟..

قال:

أخي توفاه الله اليوم..

كيف؟

أخي يطلب منك الدعاء..

مات اليوم، في حادث سيارة بين جدة ومكة وهو لابس ثياب الإحرام مع أحد أبنائه...

مات اليوم وسنصلي عليه الليلة في المسجد الحرام..

مات أخي بعدما أتم حفظ القرآن كاملاً ولله الحمد..

حفظه في سنة ونصف في مدينة جدة وعمره تجاوزالخامسة والخمسين!!!..

الله أكبر!!..

مات رحمه الله!!

ما أجملها من ميتة؟؟

توبة صالحة..

حافظ للقرآن..

مؤمن وموحد..

مستعد لأداء العمرة..

تارك لجميع معاصيه القديمة..

اللهم ارحمه واغفرله..

إنا لله وإنا إليه راجعون...

أقفلت السماعة.. بعد أن طويت صفحة هذا التائب إلى الأبــــــــــــــــد!!!..

فعلاً أيها الأحبة..

{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

رحمك الله..

رحمك الله..

رحمك الله..

الله أكبر، توبة هذا العاصي على يد طفله الصغير!!..


هيا أحبتي إلى التوبة..

هيا لنلحق بركب الصالحين..

هيا قبل هجمة الموت..

كان أحد السلف يبكي على نفسه ويقول :

"ويحك يافلان! من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا لذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟

اللهم أغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفّنا مع الأبرار...

آمين ...

غزوة ذات الرقاع ( السنة 4ه )

غزوة ذات الرقاع ( السنة 4ه )




لماذا سميت هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع ؟

لقد سميت هذه الغزوة بعدة أسماء منها غزوة بني ثعلبة نسبة لبني ثعلبة الذين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتالهم ، وكانوا قد نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغزة بني أنمار ، وغزوة صلاة الخوف ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيها صلاة الخوف ، وسميت غزوة الأعاجيب لما شاهد فيها المسلمون من مواقف أثارت العجب .. بأحداثها

لكن الذي يهمنا هو اسم ذات الرقاع ففي رواية البخاري : روى أبو موسى الأشعري ، وهو من الصحابة الاجلاء أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع ، قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة بيننا بعير نعتقبه ( أي نتبادل ركوبه ) فنقبت أقدامنا … ونقبت قدماي ( أي جرحت ، وسال الدم منها ) وسقطت أظفاري .. ( وكان ذلك من وعورة الأرض في هذا المكان ) .ويواصل أبو موسى حديثه فيقول : فكنا نلف على أرجلنا الخرق .. ولما كنا نعصب على أرجلنا الخرق … سميت ذات الرقاع من هذه الرواية نلاحظ معاناة المسلمين في سبيل رفع راية الإسلام ، فوعورة الأرض.. ومشقة السفر .. لم تمنعهم من ملاحقة أعداء الإسلام والجهاد في سبيل نشره . فقد كانت الأحجار تضرب في أقدام أبي موسى الأشعري وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتسيل منها الدماء ويعصبونها بخرق من القماش .. لوقف النزيف منها وبينما موكب الرسول صلى الله عليه وسلم يسير نحو القبيلة إذ يفاجأ المسلمون بجمع غفير من غطفان ، (( فتقارب الفريقان ولم يكن بينهما حرب وخاف الناس بعضهم بعضا )) حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف . ومما رأى الناس في غزوة ذات الرقاع انهم حينما شاهدوا القوم مجتمعين وهم أهل غطفان تقارب الجمعان من خوف بعضهم بعض .. ظنا منهم أنها الحرب . لكن لم تكن هناك حرب ولا قتال . فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بصحابته في جمادى الأولى من نفس العام ، وكفاهم الله شر القتال

غزوة بدر الكبرى ( الجمعة 17 رمضان السنة 2 ه / 624 م )

غزوة بدر الكبرى ( الجمعة 17 رمضان السنة 2 ه / 624 م )




غزوة بدر . تاريخها 17 رمضان . السنة الثانية هجرية
إن غزوة بدر كانت نتيجة طبيعية للهجرة إلى المدينة ،فقد أرادت قريش أن تقتل محمدا وهو بمكة ، ولكن محمدا نجا من هذه المؤامرة بفضل الله وهاجر إلى المدينة التي أصبحت مركزا إسلاميا حرا طليقا، يهدد أوثان قريش ، بالإضافة إلى تهديده لتجارتها الصاعدة والهابطة بين مكة والشام ، فأصرت قريش أن تقضي على هذا المركز الجديد الذي يهدد حياتها الدينية والاقتصادية جميعا . فكانت غزوة بدر نتيجة هذه الإفرازات ، ولكم وصف لهذه المعركة التي غيرت كل مفاهيم القوة والتي من خلالها وضعت المسلمين في الطريق السليم والصحيح فاصبح يحسب لهم ألف حساب .

قوات المسلمين ( 314 ) رجل معهم فرسان وسبعون بعير قوات العدو ( 950 ) رجل معهم ( 200 ) فرس وعدد كبير من الإبل سببها بغية الاستيلاء على قافلة قريش التجارية القادمة من الشام بقيادة أبي سفيان والتي يحميها ثلاثون إلى أربعين رجلا وهي تتكون من ألف بعير تقريبا . في المدينة المنورة في يوم الاثنين الثامن من رمضان سنة اثنتين هجرية الموافق 5 مارس 624م في هذا اليوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحبة رجاله الذين بلغ عددهم ثلاثمائة و أربعة عشر رجلا ، وهناك عند الصفراء توقف الرسول ،و بعث برجاله لاستطلاع بدر وإلى أي مكان وصلت العير ( عير قريش ) وكان عليه الصلاة والسلام مطمئنا على مدينته ومن فيها لانه ترك فيها رجلا صالحا تقيا ، إماما للناس في صلاتهم هو عبد الله ابن أم مكتوم .
و أعطى عليه الصلاة والسلام اللواء إلى أول سفرائه مصعب بن عمير. في الوقت نفسه الذي كانت فيه قافلة أبي سفيان تواجه مصاعب الطريق ، كان المشهد في مكة قد بدأ يتهيأ لخطر قادم . فتجهزت قريش وخرجت في جمع كبير من أشرافها وسادتها ، قاصدة مكان محمد لانقاد أموالها وتجارتها على حد قولهم . استخدم أبو سفيان دهاءه وغير مجرى طريقه وسلم بقافلته .. ولما نجا ورأى انه قد سلم من الخطر أرسل إلى قومه يقول : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا . فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا ( وكان بدر أحد مواسمهم …. كل عام ) فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرتنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها . لقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى واد ذفران ثم إلى الأضافر ثم بلد آخر لقد كان وصوله إلى بدر قبل قريش فاختار موضع يشرف على منطقة القتال وبنى فيه العريش وقام بترتيب المسلمين بشكل صفوف وهو أسلوب جديد لم تعرفه العرب من قبل ، لكن في الجهة المقابلة لم يكن للمشركين قائد أو منظم يقودهم . أقبلت قريش فلما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم قال (( اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم احنهم ( أهلكهم ) الغداة )) .ثم اقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما شرب منهم رجل إلا قتل مكانه . بدأت المعركة بمبارزة ثلاثة من المسلمين لثلاثة من المشركين ، فبارز عبيدة بن الحارث عتبة بن ربيعه وبارز حمزة شيبة بن ربيعه وبارز علي الوليد بن عتبة فتغلب المسلمون على المشركين في هذه المبارزة ، بعدها اشتد القتال فكان المسلمون يردوهم بوابل من السهام فارتبك المشركون فبدأو في التفكك وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقود الصفوف بنفسه والتي أخذت تقترب من صفوف المشركين التي فقدت قادتها وبدأت في التبعثر والهروب ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم قواته أن تشد عليهم وبدأت المطاردة التي انتهت بانتصار المسلمين على المشركين . فاخذ المسلمون في جمع الغنائم والأسرى ، فعاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة مع موكب الرجال حاملين لواء النصر على جبابرة مكة …. وأئمة الكفر فيها . من نتائج المعركة استشهاد أربعة عشر مسلما وقتل سبعون مشركا وأسر سبعون آخرون كلف منهم المتعلمون بتعليم أطفال المسلمين مقابل إطلاق سراحهم .

يوم من تاريخ المسلمين .. !!

 
يوم من تاريخ المسلمين .. !!
 
فتح عموريه

كم من واامُعتصماه انطلقت        ملأ أفواة البنــــــاتِ اليُتّمِ
لامست أسماعهُم ولكنهــــا        لم تُلامس نخوة المُعتصمِ

سمعنا كثيراً هذا الشعر ورأيتُ أننا نحيا ذات الواقع المُر، فرأيت أن نتذاكر هذا اليوم من أيام الإسلام، نسأل الله أن يُقيض لهذة الأُمة قائداً يقوُدُها بكتابه وسُنة نبيه لإعلاء دينه وتحكيم شريعتُه، اللهم آمين..
أيا رب لا تجعل وفاتي إن دنت        على مضجع تعلوه حسن المطارفِ
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابـة         يصابون في فج من الأرض خـائفِ

معركة عمورية

كتب بابك الخرمي إلى حليفه إمبراطور الروم البيزنطيين 'تيوفيل بن ميخائيل بن جورجس' عندما ضيّقت عليه جيوش 'المعتصم' الحصار قائلاً : "إن ملك العرب 'المعتصم' قد جهّز إليّ جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها.

فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده فخذها، فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها. فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك".

كل ذلك طمعاً من 'بابك' في أن يتحرك الروم للتخفيف عنه وكشف بعض ما هو فيه، فخرج 'تيوفيل' في سنة 223هـ بعد سنتين من رسالة بابك، وانقضّ 'تيوفيل' على مدينة 'زبطرة' وأعمل بها السيف، وقتل الصغير والكبير بلا إنسانية ولا رحمة، وسبى من النساء أكثر من ألف امرأة بعد ذبح أطفالهن، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطّع آذانهم وآنافهم، ثم أغار على 'ملطية' فأصابها ما أصاب 'زبطرة'، فضجّ المسلمون في مناطق الثغور كلها، واستغاثوا في المساجد والطرقات، وبلغ الخبر 'المعتصم' فاستعظمه، وبلغه أن هاشمية صاحت وهي في أيدي الروم: وامعتصماه.

فأجاب وهو على سريره: لبيك لبيك، ونادى بالنفير العام، ونهض من ساعته.

وأورد أحد المؤرخين: أن صاحب عمورية من ملوك الروم كانت عنده شريفة من ولد فاطمة رضي الله عنها، مأسورة في خلافة 'المعتصم بن الرشيد'، فعذبها فصاحت الشريفة فعذّبها، فصاحت الشريفة: وامعتصماه، فقال لها الملك: لا يأتي لخلاصك إلا على أبلق -فرس فيه سواد وبياض-.

 فبلغ ذلك 'المعتصم' فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمورية وفتحها، وخلّص الشريفة وقال: "اشهدي لي عند جدّك أني أتيت لخلاصك، وفي مقدمة عسكري أربعة آلاف أبلق".

ولما انتهى الخبر بما جرى في الثغور إلى 'المعتصم' فصاح في قصره: النفير النفير، وأحضر القاضي عبد الرحمن بن إسحاق وشعيب بن سهل ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من ضياع، فجعل ثلثاً لولده، وثلثاً لله، وثلثاً لمواليه، ثم أرسل نجدة لأهل الثغور يؤمّنون الناس حتى عادوا إلى قراهم.

وعندما سار 'المعتصم' باتجاه الثغور تساءل: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟

فقيل: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية، فسار باتجاهها، بجهاز عظيم من السلاح والعدد وآلات الحصار والنفط، وعندما وصل الجيش الإسلامي بلاد الروم أقام على نهر اللامس -الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، على ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى- ومن ضفاف نهر اللامس سيّر 'المعتصم' 'الأفشين' شمالاً وهدفه أنقرة، وسيّر خلفه 'أشناس'، ثم سار خلفهما، فكان معهما قبالة أنقرة في 25 شعبان 223هـ، ففتحها بسهولة، اتجه بعدها إلى عمورية.

واجتمعت كل العساكر بقيادة 'المعتصم' عند عموريّة، فركب ودار حولها دورة كاملة، وقسّمها بين القوّاد، جاعلاً لكل واحد منهم أبراجاً من سورها، وذلك على قدر كثرة أصحابه وقلتهم، وصار لكل قائد منهم ما بين البرجين إلى عشرين برجاً.

أما أهل عمورية فقد تحصّنوا داخل أسوار مدينتهم، متّخذين ما استطاعوا من الحيطة والاحتراز.

وعلم 'المعتصم' من عربي متنصّر، تزوّج في عمورية وأقام بها، أن موضعاً من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور في ذلك الموضع فكتب ملك الروم إلى 'ياطس' -عامله على عمورية- أن يعيد ذلك الموضع ويعيد تشييده، تحسّباً لنتائج فعلته في "زبطرة' والثغور الإسلامية، فتوانى باطس في بنائه وترميمه، وعندما علم أن "تيوفيل' خرج من القسطنطينية إلى بعض المواقع متفقداً، تخوّف "ياطس' أن يمر 'تيوفيل' على عمورية فيرى جانباً من سورها لم يرمم، فوجّه "باطس' الصنّاع والبنائين فبنوا وجه السور بالحجارة حجراً حجراً، وتركوا وراءه من جانب المدينة حشواً ثم عقدوا فوقه الشرف، فبدأ كما كان.

ولما علم 'المعتصم' بذلك، أمر بضرب خيمته تجاه هذا الموضع، ونصب المجانيق عليه، وبدأت المجانيق الضخمة مع آلات الحصار الأخرى تعمل عملها، فانفرج السور من ذلك الموضع، فلما رأى أهل عمورية انفراج السور دعّموه بالأخشاب الضخمة كل واحدة إلى جانب الأخرى لا فرجة بينهما، فكان الحجر إذا وقع على الخشب تكسر فيهرع المحاصرون لتدعيم السور بأخشاب ضخمة جديدة ليحموا السور من الانهيار.

وعندما توالت قذائف المجانيق على هذا الموضع الواهن، انصدع السور، فكتب 'ياطس' إلى 'تيوفيل' كتاباً يعلمه فيه بأمر السور وحرج الموقف وقوة الحصار، ووجّه الكتاب مع رجل يتقن العربية ومعه غلام رومي، فانكشف أمر الرجلين للمعتصم، واستمر جند 'المعتصم' يبيتون بالتناوب على ظهور الدواب في السلاح ودوابهم بسروجها حتى انهدم السور ما بين برجين، من الموضع الذي وصف للمعتصم أنه لم يحكم عمله.

ودوى في فضاء عمورية صوت اهتزت له جنباتها، إثر تهدم جانب السور، فطاف رجال المسلمين يبشرونهم أن الصوت الذي سمع، صوت السور فطيبوا نفساً بالنصر.

لقد فعلت المجانيق فعلتها في السور وتنبه المعتصم إلى سعة الخندق المحيط بعمورية وطول سورها ، فأمر ببناء مجانيق ضخمة كبيرة يعمل على كل منها أربعة رجال ، وللوصول إلى السور كان لا بد من ردم أجزاء من الخندق، فدفع لكل جندي شاة لينتفع من لحمها وليحشو جلدها تراباً ، ثم جمـع (سلاح المهندسين) الجلود المملوءة تراباً وطرحها في الخندق.

كما أمر 'المعتصم' 'مفارز' الفعلة بأن تردم جوانب من الخندق المحيط بسور عمورية مستفيدة من جلود الغنم المملوءة تراباً، كي يمكن الدبابات من الوصول إلى السور، وكلف 'مفارز' من الرجالة بحماية العاملين وبردم الخندق، وحماية العاملين في الدبابات أثناء قيامها بالواجبات المترتبة على كل منها.

وطرح العاملون من الفعلة الجلود فلم تقع مستوية منضدة بسبب تكثيف الروم رميهم الحجارة على العاملين بردم الخندق فجاءت الجلود في الخندق غير مستوية فطرحوا فوقها التراب حتى أصبحت مستوية.

وفي صباح يوم جديد من الحصار، بدأ القتال على الثلمة التي فتحت في السور ولكن الموضع كان ضيقاً لم يمكنهم من اختراق الثلمة، فأمر 'المعتصم' بالمنجنيقات الكبار التي كانت متفرقة حول السور فجمع بعضها إلى بعض، وجعلها تجاه الثلمة، وأمر أن يرمى ذلك الموضع لتتسع الثلمة، ويسهل العبور، وبقي الرمي ثلاثة أيام فاتسع لهم الموضع المنثلم، واستخدمت أكباش الدبابات أيضاً لتوسيع الثلمة.

وركب 'المعتصم' حتى جاء فوقف حذاء البرج الذي يقاتل فيه 'ياطس' فصاح بعض الجند العرب : يا 'ياطس'، هذا أمير المؤمنين، فصاح الروم من فوق البرج: ليس 'ياطس' هاهنا، فغضب 'المعتصم' لكذبهم وتوعد فصاحوا: هذا 'ياطس'، هذا 'ياطس'، فصعد جندي على أحد السلالم التي هيئت أثناء الحصار، وقال لياطس: هذا أمير المؤمنين فانزل على حكمه، فخرج 'ياطس' من البرج متقلداً سيفاً حتى وقف على البرج، و'المعتصم' ينظر إليه فخلع سيفه من عنقه، ودفعه إلى الجندي العربي الذي صعد إليه، ثم نزل 'ياطس' ليقف بين يدي 'المعتصم'، معلناً سقوط عمورية بيد 'المعتصم' وجنده.

لقد سقطت عمورية بعد أهم معركة عربية استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يوماً، من سادس رمضان إلى أواخر شوال سنة 223هـ.

ثم أمر المعتصم بطرح النار في عمورية من سائر نواحيها، فأحرقت وهدمت، وجاء ببابها الرئيسي إلى سامراء، وعاد بعدها المعتصم بغنائم كبيرة جـداً إلى (طرسوس)، ومنها إلى (سامراء) منتصراً ظافراً، راداً على 'تيوفيل' فعلته كاسراً مخالبه التي تطاولت على (زبطرة)، ومستجيباً لصيحة الهاشمية الحـرة ( وامعتصماه )، جاءها على خيل بلق، فخلّصها وقتل الرومي الذي لطمها، ثم أمر ببناء زبطرة وشحنها بالرجال والعتاد والميرة، فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.

{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

قصة توبة .. !!

قصة توبة .. !!
ناشر الخير
 يقول الله سبحانه وتعالى :
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )

وهذه القصة من أروع قصص العودة لله

مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد امتلأ بطلبة العلم حتى لم يبق فيه مكان , ولكنهم ينتظرون شيخهم ومعلمهم وقد تأخر على غير عادته ..
وبينما هم في الانتظار إذا هو قادم عليهم , عليه وقار الصالحين , رؤيته تذكرك بذكر الله رب العالمين , فجلس بينهم في المكان الذي اعتاد الجلوس فيه , ثم أطرق إلى الأرض مفكرا ثم رفع رأسه وقال : يا أبنائي الأعزاء ، ظللت طول عمري أعلمكم وأفقهكم أمور دينكم , أما اليوم فسأحدثكم عن شيخكم الماثل أمامكم :
لقد كنت في العراق وأنا في ريعان شبابي رئيس حرس الأسواق , وكنت أُراقب حركة الأسعار والتجار , وكنت فظا غليظ القلب لا يحبني أحد ولا أحترم أحدا ..
وبينما أنا أجول في السوق رأيت رجلا من التجار طويل القامة , كبير الهامة عريض المنكبين , قد لبس الحرير وأسبل عمامته تفوح منه رائحة الطيب وحلى أصبعه بخاتم ضخم , البطر والطرف باد على محياه , وبين يديه رجل فقير قد جثا على ركبتيه يتوسل ويتضرع ويبكي , ثيابه ممزقة لا تكاد تستر جسمه , نحيل ،غائر العين , أصفر الوجه , مشقق اليد من التعب والكدح , وهو يقول :
يا مولاي لماذا أخذت مني سبعة دراهم وهي محصلة يومي وتعبي , ردها علي إنني أحتاج إليها هذه الليلة , ففيها عشاء بنياتي , فإن أخذتها مني سيبات بنياتي طاويات من الجوع في هذا البرد الذي لا يرحم , رُد علي دراهمي يرحمك الله يُخلفك الله خير منها ... أمهلني ..
وكلما تذلل المسكين بين يديه شمخ الغني بأنفه ورفع رأسه إلى السماء وكأنه يكلم جدارا أو حجرا لا إنسانا فيه قلب وروح ..
ويقول : تأثرت بهذا المنظر فجئت إلى الغني وقلت : ما شأنك وهذا ؟
فقال : وماذا يحشرك أنت فيما بيننا ؟ انصرف إنك لا تعرف هذا , إنه مكار خبيث أقرضته منذ سنة سبعة دراهم وهو يفر مني كلما رآني حتى قابلته اليوم بالسوق فأخذتها منه .. ..
يقول : فقلت له : سبعة دراهم وأنت قد أغناك الله , ردها عليه فلما قلت له ذلك أبى وتكبر وطغى , يقول : فصفعته صفعة طنت لها أذناه وانقدحت لها عيناه ثم أدخلت يدي في جيبه وأخرجت الدراهم ووضعتها في يد الفقير , فقلت له : انطلق .. فانطلق فرحا يلتفت يجري , قلت له :
يا هذا إذا تعشت بنياتك هذه الليلة فقل لهن يدعون لمالك بن دينار , يقول فلما أصبح الصباح وبينما أنا في السوق أحسست في قلبي أن الله قد قذف فيه حب الزواج , فأخذت أعرض نفسي على الناس ولكن من يزوجني ؟ فأنا الفظ الغليظ مدمن الخمر لا يرغب بي أحد , فيقول فلما طردني الناس ذهبت إلى سوق الجواري فاشتريت جاريةً مسلمةً مؤمنة ثم أعتقتها وجعلت عتقها مهرها , ثم تزوجتها , فكانت نعم المرأة عارفة لربها مطيعة لزوجها , كنت أرى فيها الخير والبركة من يوم أن حلت بداري , فقد تركت الخمر , وأقبلت على الصلاة والذكر والطاعة وأخذت أستغفر الله ورق قلبي ولان , وأصبحت أحب الخير والدعوة للخير , ورزقني الله منها بنية صغيرة كنت أرى فيها سعادة الدنيا أراها تلعب أمامي في الدار وتتلقاني إذا جئت وتنام بجواري في الليل وتلاعبني وألاعبها , فأقضي أوقاتي معها في الدار ...
وبينما أنا كذلك ذات يوم , وهي تلعب بين يدي إذ خرت في حجري ميتة لا أدري ماذا حدث ؟ فاضت روحها وأنا أنظر إليها فكاد قلبي أن ينخلع من مكانه فقلتُ : ويحي بنيتي قرة عيني ماذا أصابك ؟
فحملتها وقد تدلت رقبتها على يدي , وأخذت أذهب في البيت فاستقبلتني أمها ، ما الذي حدث للبنية ؟ فقلت :
لا أدري تلعب بين يدي فخرت ميتة , فجلست أنا وأمها نبكي ..
وكلما التفت في الدار بعد أن دفنتها وصليت عليها وجدت ذكراها , هذه ألعابها وتلك ملابسها ، إذا جاء الطعام تذكرتها , وإذا جاء المنام تذكرتها حتى أخذ مني الحزن كل مأخذ فأصبحت لا أشتهي الطعام والشراب ..
وإذا جاء الليل وما أدراك ما الليل أظل أراقب نجومه حتى أنام من الإعياء والتعب ..
وذات ليلة ، ولما بلغ مني الحزن كل مبلغ , ودب بي اليأس يرافقه الحزن قلت : لأشربن هذه الليلة حتى أموت , فأحضرت الشراب وجلست أشرب حتى خررت على الأرض صريعا لا أدري كيف ولا أدري متى ..
وبينما أنا في ذنبي ومعصيتي لم أرض بقضاء الله ـ ولكن الله أرحم الراحمين ـ
رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت , وكأن الأرض قد تشققت عن العباد كالجراد المنتشر , يشارك في هول يوم القيامة كل شيء ، السماء تنفطر الجبال تدمر كل شيء .. الخلائق تجري , وأنا أجري أحس بلهيب خلف ظهري
فلما التفت رأيت ثعبانا ينفث نارا , يجري خلفي , إلى أين المهرب ؟
إلى من أفر ؟ يقول : وأنا أجري في عرصات يوم القيامة , والثعبان خلفي وألهث من التعب , وجدت جبلا وحيدا يعترض طريقي , وفي الجبل شرفات وفتحات تطل منهن بنيات , فلما رأينني صرخن : يا فاطمة أدركي أباك
يا فاطمة أدركي أباك , يقول : فإذا بنيتي الصغيرة تطل من شرفة في الجبل فتراني فتقول : أبي ثم أشارت إلى الثعبان فوقف , فمدت يدها إلي وأصعدتني عندها , ثم جلست بين يدي وهو تقول :
يا أبتاه ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) يقول : وتكررها واستيقظت من نومي وكأني أسمع صوتها يتردد , فسمعت آذان الفجر "حي على الصلاة ـ حي على الفلاح" يقول : فأفقت واستغفرت وتبت إلى الله , وحمدت الله أن أحياني إلى الدنيا من جديد ثم ذهبت واغتسلت وتوضأت ثم ذهبت إلى المسجد الجامع , أُصلي خلف الإمام الشافعي وإذا به في الصلاة يقرأ قول الله تعالى :
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) يقول :
فانتفض قلبي وفاضت عيناي , وكأنني أنا الوحيد المعني بها وأنا المخاطب بها وذلك من رحمة الله , فاستحييت من الله حق الحياء ..
فلما انتهت الصلاة واستدار الإمام الشافعي أخذ يفسر لنا قوله تعالى :
( ألم يأن للذين آمنوا ) ويقول : عباد الله إنا الله يستحثنا إلى التوبة ...
فهو يقول : ( ألم يأن ) وهي مشتقة من الآن فكأنه يقول : الآن , الآن توبوا قبل أن تفوت هذه اللحظة فيندم الإنسان , الآن الآن إلى التوبة , إلى ذكر الله إلى الخشوع ، يقول : فتبت إلى الله , واستغفرت لذنبي وتجلت عندي رحمة الله الذي لم يأخذني بمعصيتي فأمهلني حتى تبت وأنبت وذهبت إلى زوجتي وقلت لها : هيا بنا نشد الرحال لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلب فيها العلم , فوفقني الله إلى كثير منه وعوضني الله خيرا من بنيتي
عوضني أبناء المسلمين يشدون إلي الرحال من مشارق الأرض ومغاربها يجلسون بين يدي طول النهار وزلفا من الليل يطلبون العلم , فحمدت الله تبارك وتعالى على نعمته

وآخر دعوانا ان الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله واصحابه اجمعين

وقفات .. مع الأموات .. !!

وقفات .. مع الأموات .. !!

عباس بتاوي

الوقفة الأولى:

اتصل بي احد الاخوة وانا في المنزل يوم الجمعة، وقال لي،يا شيخ ان اخي انتقل الى رحمة الله ،وهو الان موجود في ثلاجة ( مستشفى الجدعاني )، بحي الصفا،ونريد منك ان تغسله ، وتعمل على تجهيزه وتذهب الى المستشفى في التاسعة صباح غدا السبت ، لنقله الى المغسلة المقبرة، فقلت:ان شاء الله ،

وبعد صلاة العشاء من نفس اليوم اتصل بي والد الشاب لنفس الموضوع ، فقلت : له ابنك اتصل بي قال:ادري ياشيخ لكن فقط للتاكيد على حضورك ، وفي صباح اليوم التالي توجهت الى المستشفى في الموعد المحدد وقبل وصولي الى بوابة المستشفى رأيت الكثير من الناس تنتظر خارج المستشفى فاعتقدت ان هنال اكثر من ميت في المستشفى استقبلني اخاه ووالده عند الباب ،فقلت لهم: كم ميت ، فقال والده: فقط واحد يا شيخ انه ابني فقط يا شيخ ، فقلت :ولماذا كل هذه الامة ،قال الاب:كلهم حضروا من طريقة موت ابني فتشوقت لمعرفة طريقة موت ابنه، وبينما يتم انهاء اجراءات اخراج تصريح الدفن وتبليغ الوفاة من المستشفى سألت والد الشاب وعلامات الحزن ظاهرة على وجهه ،كيف مات ابنك،

فقال: يا شيخ حضرت انا وابنائي لصلاة الجمعة في هذا المسجد ،وبعد انتهاء الامام من خطبة الجمعة واقامة الصلاة وفي السجدة الثانية قبل التسليم ينزل ملك الموت بأذن المولى عز وجل ويأخذ روح ابني وهو ساجد لله في صلاته انظروا يا اخوان كيف كانت ميتة هذا الشاب ينزل ملك الموت الى المسجد ويأخذ روح هذا الشاب وهو ساجد لله وليس ساجد في معصية من معاصي الله ومتى نزل ملك الموت نزل يوم الجمعة وانتم اعلم في هذا اليوم كما يقول عليه الصلاة والسلام : من مات يوم الجمعة او ليلة الجمعة وقاه الله فتنة القبر ، وكيف اخذ ملك الموت روح هذا الشاب ، وهو ساجد في المسجد وليس في مكان معصية الله ،يا اخوان من منا لا يتمنى هذه الميتة؟ من منا لا يتمنى هذه الميتة ،في بيت من بيوت الله ؟وان الله ممن يحسن خاتمته

ثم حملنا هذا الشاب في سيارة الموتى الى المغسلة وادخلناه الى غرفة الغسل ووضعناه فوق خشبة الغسل لنبدأ نتجهيزه وكلنا سوف نمدد على هذه الخشبة ،لانستطيع الحركه،ثم أتى المغسل وهويقوم بتجريده واذا بامام المسجد يدخل علي ويقول: يا شيخ ان هذا الشاب مات في مسجدي وانا اولى بغسله،فقلت: هذا والده واخاه اتصلوا بي وطلبوا مني ان اغسله،فقال :فضلا يا شيخ انا ارغب بغسله،فقلت:تفضل انا وانت واحد وحتى لا حرج ،الامام اثناء الغسل خرجت وانتظرت في الخارج عند الباب ،قام الامام بوضع السترة على الميت وتجريده من ملابسه وقام بتنجيته وتوضئته وضوء كامل ، ثم قام بغسله بالماء والسدر ثم بالماء والكافور ، ثم حملوه من خشبة الغسل الى خشبة التكفين ليطيب في اماكن السجود التي كان يسجد فيها وهو حي بالمسجد ويفعل ذلك مع سائر الاموات المسلمين ، ثم يكفن ويحمل ويذهب به الى المسجد للصلاة عليه وبينما اوشك الامام على الانتهاء من التكفين وبالاخص عند ربط الاربطة لم يستطيع الامام فنادني وطلب مني اقفال الكفن من جهة الراس ، فقلت في نفسي لماذا لم يستطيع ان يقفل الكفن؟ فلا بد من وجود سر ودخلت الى هذا الشاب مسرعا وان مندهش من مما رأيت ،ماذا رأيت يا اخوان؟

 انني عندما نظرت لوجه الشاب الميت رأيت نورا ربانيا يخرج من وجهه ليس كانوار الدنيا وكان مبتسما ومن قوة الابتسامة كانت اسنانه ظاهرة ، هل رايتم ميت يبتسم؟ كأنه يضحك مات وهو يضحك ، فتذكرت الامام وكانه تعمد ان يريني وجه هذا الشاب ويقول لي دعه يا شيخ وجهه مكشوف ندفنه ووجهه مكشوف ،فماذا افعل يا اخوان؟ ماذا فعلت؟
فتحت باب المغسله وكل الاخوان الذين كانوا بالخارج دخلوا عليه وكل واحد منهم ينظر اليه كان يقبله على جبينه ،ودموعه على خده ،ومن ثم غطيت وجهه ثم حملناه وادخلناه المسجد قبل صلاة الظهر بساعة وكان حينها لم نكمل صفا واحدا في المسجد وبعد رفع الاذان واقامة الصلاة وضعنا الجنازة امام الامام وصلينا على هذا الشاب وبع الانتهاء نظرت الى الخلف فاذا بالمسجد يمتلئ بالمصلين ولم يكتفوا بذلك حتى الملحق التابع امتلئ حتى انهم اغلقوا الممرات والطريق المؤدية للمسجد ولو رأيتم جنازة هذا الشاب وهي تخرج من المسجد مسرعة كانها تطير لوحدها، ولو رأيت جنازة هذا الشاب وهي تمشي مسرعة وتسابق الاخوان على قبره وانزلوه ووضعوه على جنبه الايمن باتجاه القبلة ثم حلو الاربطة وقاموا بتغطية هذا القبر ، وحطوا التراب عليه ،
 يقول احد المقربين له: ان عمر هذا الشاب 28 سنة لم يتزوج ، من ان ياتي من عمله ويتناول طعام الغداء ثم يسمع المؤذن يأذن للصلاة ويذهب الى المسجد وينتظر فيه من بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب ،ماذا يفعل؟ من بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب؟ انه يقوم بتحفيظ الاطفال القرأن الكريم في المسجد، اسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة.


الوقفة الثانية:

هذه القصة يا اخوان تذكرني في قوله تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف34 احد الاخوة جزاه الله الخير من الذين يدعون وينسقون مع المشايخ في القاء الكلمات والمحاضرات في المساجد دعاني ذات يوم لالقاء كلمة في احد المساجد ،فذهبت اليهم لالقاء موعظة عن المواقف التي وقفت عليها في تجهيز الموتى ،وبعد انتهاء الموعظة فاذا برجل كبير السن يقوم من مجلسه ويسلم علي بحرارة وانا لا اعرفه،فقال: هل تعرفني يا شيخ ؟،فقلت: لالا اعرفك ،فقال: انا والد الذي دعاك لالقاء الموعظة في هذا المسجد،فقلت:جزاه الله خيرا وجعلها في موازين اعماله في الدنيا والاخرة ،مع كبر سن هذا الرجل الى انه اصر على ان يحضر الموعظة، وبعد يومين فقط حصلت حالة وفاة لاحد اقربائهم بهذه العائلة اقصد الابن الذي دعاني الى المسجد ووالده الذي اصر على الذهاب ليحضر الصلاة والدفن على هذا الميت في مكة المكرمة ،بالرغم من ان ابنه ،
قال له: يا والدي انت متعب ارتاح هنا ولا تاتي معنا لكنه اصر ثانية ، ثم ذهبوا الى الجنازة الى مكة المكرمة قبل صلاة الفجر فوضعوا الجنازة في مكان المصلى للجنائز داخل الحرم حتى يصلى عليه، بعد ان اذن المؤذن اذان الفجر قام هذا الوالد ليصلي ركعتين سنة الفجر عند مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام ، وبعد الانتهاء من الركعتين جلس بجانب المقام متكئا عليه ينتظر قيام الصلاة وعند اقامة الصلاة لم يقم ليصلي معهم فذهب اليه ابنه ليساعد والده للقيام للصلاة فوجده ميتا،لا اله الا الله ما اجمل هذه الخاتمة ، وكان كل من كان حاضرا من اهل الجنازة التي حضروا للصلاة عليها تركوها ،وانشغلوا بموته ، ولقد قمت بغسله وتجهيزه ودفنه في مكة المكرمة ،ولقد كانت تنبعث منه رائحة كرائحة المسك بل كانت اقوى من ذلك،نسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة والفردوس الاعلى.


الوقفة الثالثة:

هذه القصة يا اخوان وقفت عليها مع اثنين من طلابي في المغاسل التي اشرف عليها ، اتصل بي احد الاخوة من المستشفى في جده مساء يوم الأربعاء في قرابة العاشرة مساء وطلب مني ان احضر للمستشفى لتجهيز والده المتوفي لنصلي عليه فجر الخميس فزهبت وحملته بسيارتي الى المغسلة وكان برفقته الكثير من المرافقين فحملوه ووضعوه على خشبة الغسل وضعوه على خشبة ووضعت السترة عليه وقبل البدء بتجريده من ملابسه طلبت من الحاضرين لكثرتهم مغادرة المغسلة ،وان ذلك لا يجوز وان حرمة الميت كحرمته وهو حي فرفضوا ،وقال لي احد الحضور : كلنا أبناءه يا شيخ ، وتأكدت من ذلك فعلا انهم أبناؤه ،
وكان الميت ممتلئ الجسد ممددا بالكامل على خشبة الغسل وبالرغم من كبر السن الا انه لم تظهر عليه علامات الشيخوخة وكان غسله هين وسهل ،وكان أبناءه السبعة يساعدونني في قلبه نحو اليمين ونحو اليسار لذلك كانت عملية غسله سهلة ،وبعد الانتهاء من ذلك لاحظت اختلاف كبير ولقد استغرب من حولي واندهشوا ،فاذ بان وجهه أصبح ابيض ساطع البياض،لامع غريب لم أشاهد مثله ،ولاحظ ذلك طلابي ونظروا بتعجب ،ولم يستطيعوا قول شيء من دهشتهم سوى( لا اله الا الله )

وبعد تكفينه بقي النور الرباني يظهر منه سبحان الله نور رباني يخرج من هذا الميت كأن إضاءة تخرج منه ، حملنا هذا الميت الى منزله لكي يسلم عليه بقية اهله وكان هناك وقت كافي قبل الذهاب به الى المسجد ،ثم ذهبنا وصلينا عليه بعد صلاة الفجر ودعوا له على شفير القبر وانصرف الجميع لعمله،لقد اردت ان اعرف عن هذا الميت لغرابة حاله، فقمت بسؤال اثنين من ابناءه كل على حدى عن احوال والدهم ، والغريب ان اجاباتهم كانت 99%اجتمعت اقوالهم ان والدهم قام ببناء مسجدين وانه مساهم في جمعية تحفيظ القران الكريم ،ومتكفل باكثر من اسرة شهريا ...والكثير من الاعمال الصالحة...فلماذا لانتوب توبة نصوحة ،ونراجع انفسنا كما يقول عز وجل (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ )الرعد11صدق الله العظيم.


الوقفة الرابعة:

هذه القصة يا إخوان لشاب رفض والده ان يصلي عليه بعد صلاة الفريضة ،لكم ان تتخيلوا يا اخوان ان يرفض والده الصلاة على ابنه بعد تجهيزه بعد صلاة الفريضة اي بعد صلاة الفجر واكثر الاخوان يريدون الصلاة على امواتهم ،بعد الفريضة ،بل يفضلوا اكبر المساجد لكثرة المصلين لكسب الاجر والدعاء للميت،فما قصة هذا الشاب؟
قصة هذا الشاب ،كنت في عملي الدنيوي مناوب مساءا فاذا بالمحمول يرن،قلت :نعم،قال:ابني مات في ملحق منزلنا يا شيخ واريد منك ان تأتي لتجهيزه لنصلي عليه وندفنه،قلت:اعطني العنوان ،انتم تعلمون يا اخوان اذا حصل حالة وفاة في اي حي فان هذا الشارع في الحي لا يهدأ ، جميع الجيران يذهبون الى منزل المتوفي ليقفوا بجانب اهله ويواسوهم ويخففوا عنهم ،ذهبت الى العنوان الذي لايدل على وجود ميت في الحي ،اتصلت بوالد الشاب ،فقلت:انا في العنوان ولا يوجد احد فأخبرني بأنه سينزل الي ،فاذا به من نفس العمارة التي اقف تحتها ،سألته اين ابنك؟،فقال:في الملحق يا شيخ ان والد هذا الشاب قد جهز لابنه ملحق فيه جميع وسائل الترفيه ،وذلك خوفا عليه من ان يختلط ببعض اصدقاء الحي ،
وعندما دخلت على هذا الشاب وعمره تسعة عشر سنة كان ممددا على سريره ومغطى فكشفت عنه الغطاء لكي اقوم بتفصيل الكفن بمجرد النظر اليه ،وعند كشف الغطاء عن هذا الشاب الميت كان بملابسه الرياضية ووجدت ان يده اليمنى مربوطة بشاش طبي واثار الدم من الاعلى والاسفل ظاهرة بيده فسألت والده ماذا حدث له،فقال: حدث له حادث،فقلت:اين تريد غسله وتجهيزه ،قال :هنا بالملحق يا شيخ يوجد مكان لغسل الملابس ،جهزت لوازم الغسل والكفن وقلت لهم احضروه وضعوه هنا الملابس ،جهزت لوازم الغسل والكفن وقلت لهم احضروه وضعوه هنا هنا على خشبة الغسل وكالمعتاد وضعت عليه السترة وجردته من ملابسه وقمت بتنجيته ثم اردت توضئته وضوء الصلاة ووضوء الغسل وضوء كاملا ،
وعندما رفعت يده اليمنى لتوضئته وجدت انها مربوطة بشاش طبي وعليها آثار الدم من الاعلى والاسفل فاردت ان افك الشاش المربوط على يده وتنظيف يده من الدم وايقافه ،فاذا بوالد هذا الشاب يقبل راسي ويقول :دعه يا شيخ كما هو فقلت له:يا اخي جزاك الله خيرا ان يده تقطر دما دعني انظف هذا الجرح واضع عليه مادة السدر لايقاف الدم اذ لا زال يخرج منه ثم نضع عليه لاصق طبي جديد ونمسح عليه ولكن للاسف والده يصر على طلبه ،بغسله دون نزع الشاش المربوط عاى يده اليمنى
ونحن في هذا النقاش اذ تدخل علينا والدة الشاب من الغرفة المجاورة وهي كاشفة الوجه وتأتي الي وتريد ان تقبل يدي وتقول لي: يا شيخ استر عاى ولدي الله يستر عليك فاذا الاب ياخذ شماغه ويغطي وجهها ويدفها الى الغرفة التي خرجت منها ويقول لها:فظحتينا الشيخ لا يعرف شيئا ،كلمة فظحتينا يا اخوان عرفت ان هناك سرا انا اصر على فتح الشاش وتنظيف الجرح وهم يصرون على غسله والشاش بيده لا يفتح ماذا فعلت ؟ عند توضئته قمت باثقال الماء على يده حتى تشبع الشاش بالماء وكان مربوطا ربطا خفيفا بعد ما اثقلت الماء على يده تركتها فسقطت على خشبة الغسل وخرجت القطعة من يده وسقطت على الارض ونظرت الى يده اليمنى فوجدتها ملوثة بالدماء وهي ممسكة بقطعة سوداء فماذا وجدت يا اخوان ؟ ما هذه القطعة يا اخوان؟
كانت هذه القطعة بقايا من ريموت كنترول لتغير قنوات الدش كان ممسكا بها بيده اليمنى ،حاول والده واخاه ان يخرجوا هذه القطعة من يده ولم يستطيعوا ،ولا بد ان يكسروا اصبع او اثنين ليتمكنوا من اخراجها وكسر عظام الميت ككسر عظامه وهو حي فأتوا بمنشار حديد صغير وقاموا بنشر قطعة الريموت من الاعلى وحاولوا بنشر اكبر جزءمنه حتى لا يظهر اثره فجرحوا يده من الاعلى والاسفل وبقيت القطعة الباقية في يده ،لم يستطيعوا اخراجها فقلت لوالده: ماذا حدث له وكيف حدث له ذلك ،قال:يا شيخ نجهزه ونصلي عليه وندفنه ثم اخبرك ماذا حدث ،
قلت له: لا ،يجب ان تخبرني الان ،قال:يا شيخ كنا نتعشى كنا نجلس على وجبة العشاء ،فاذا بابني يدخل مسرعا على البيت ويتوجه الى غرفته فناديته يا فلان ،كي يتناول العشاء معنا ،يا فلان تعال وكل معنا،قال:لست جائعا الان ارسلوا لي العشاء مع الخادمة ،بعد الساعة الثانية عشر صعدت الخادمة بالطعام كما طلب وطرقت الباب ليأخذ العشاء فلم يجيب الخادمة ،فنادته باسمه يا فلان فلم يرد عليها وكان صوت التلفزيون مسموع ،نزلت الخادمة مسرعة وذهبت الى والديه فاخبرتهم بما حدث وان فلان لا يرد عليها صعد الاب مع اولاده وفعلوا كما فعلت الخادمة فلا مجيب وكان للملحق نافذة على السطح فنظروا منها فوجدوه ممددا على السرير فنادوا عليه ولكن لم يجيب فكسروا الباب ودخلوا عليه فوجدوه ميت وجدوه ميتا وهو يشاهد التلفزيون ،ولكن ماذا كان يشاهد قبل ان يموت ؟
اتاه ملك الموت واخذ روحه وهو يشاهد القنوات الاباحية وهو يعتقد انه باقفال الباب لن يراه احد ،ونسي ان الله يراه اتاه ملك الموت وهو ينظر الى ما حرم الله ،

انظروا يا اخوان الى هذه الخاتمة ،قمت بغسله وتكفينه ويده ممسكة بما تبقى من الريموت وهي ليست الحالة الاولى ،فقد ذكر احد المشايخ ،انه وجد ميت وفي يده جهاز الريموت والاخر لامام وخطيب احد المساجد المعروفة ،قام بغسل ميت ووجد بيده ممسكا بعلبة دخان ،وحاول اخراجه بصعوبة بان يضع الماء من الاعلى والاسفل ويدخل الة صلبة يخرج بها بقايا الدخان ،حتى اخرج علبة الدخان من يده ،ولا زالت اصابعه مطبقة على كفه ، وبعد ان انتهيت من تجهيزه التفت الى الخلف فرأيت والده واخوانه يتهامسون ،فقلت لهم: ما الامر هيا احملوه وضعوه في السيارة لنذهب ونصلي عليه بعد صلاة الفجر ولم يبقى الكثير من الوقت لاذان الفجر ،
فقال لي الاب :يا شيخ لا اريد ان اصلي على ابني الان فقلت :لماذا؟ قال:يكفي يا شيخ لقد فظحت في الدنيا ،فكيف بالاخرة؟ قلت:يا اخي اتقي الله ،انت لست ارحم به من الله ادع الله ان يرحم ابنك ويغفر له ان الله غفور رحيم دعنا نصلي على ابنك بالمسجد ،لعل وعسا احد الاخوة المصلين يرفع يد الى الله ويدعو له بالرحمة والمغفرة فيستجاب له ، ولكن الاب يرفض الصلاة عليه وانا احاول دون جدوى فالتفت الى عمه فينظر الى الاب ويسكت ،وكذلك اخيه ،جميعهم متفقين مع الاب فخرجت من المنزل وانا مرهق ومتأثر ومتعجب لم حصل فاتى الي والده وقال لي:سنصلي عليه يا شيخ لكن ليس بعد صلاة الفريضة ،بل نصلي عليه الفريضة،
فقلت:لا،لااستطيع ان احمل ابنك الى المقبرة في هذا الوقت ،الا اذا اردت الصلاة عليه الظهر مع العلم يا اخوان ان الصلاة الجنازة في اي وقت جائزةلكن يفضل بعد صلاة الفريضة لكثرة المصلين فتركتهم وذهبت الى عملي وفي الصباح وفي قرابة الساعة التاسعة صباحا،حملوا الجنازة ووضعوه في سيارة جيمس ،واخذوه الى احدى المقابر وصلوا عليه مع من كان برفقته والعاملين بالمقبرة ،ودفن هذا الساب وبقية الريموت بيده ويده ممسكة به لا حول ولا قوة الا بالله أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة في الدنيا والاخرة ...


الوقفة الخامسة:

كنت على رأس العمل اعمل مساءا في الايام الاولى من ذي الحجة فدخل مكتبي احد الزملاء بقسم اخر وبرفقتهم شاب في القد الثالث من عمره وقال لي :يا شيخ قريب لي عمره اربعين سنة توفي خارج المملكة يوم الثلاثاء وسنصلي عليه فجر يوم الخميس في الخامس ليلة السادس من ذي الحجة اي في اواخر ذروة قدوم الحجاج الى المملكة وهذا اخاه يا شيخ ونحن مسافرين على اول رحلة لإحضاره ونريد منك يا شيخ ان تكون بانتظارنا في المطار بعد الانتهاء من جميع الاجراءات الخاصة بشحنة الى السعودية في هذه البلدة وسوف نتصل بك من المطار لنخبرك عن الرحلة وموعدها لتقوم بتجهيزه ،قلت: ان شاء الله وفي اليوم الثاني سألت موظف الشحن عن وصول رحلة رقم كذا من دولة كذا عليها الجثمان كذا ،قال: دعني اتأكد من البرقيات الواردة في مثل هذه الرحلات ثم عاد
وقال: نعم يا شيخ المعلومات صحيحة فتوجهت الى هناك وفعلا رأيت الكثير من اهل الميت بانتظاره وما هي الا دقائق ووصلت الطائرة في موعدها المحدد وانزلوا جثمان الميت باسعاف المطار داخل تابوت حتى البوابة ثم ادخلوه الى سيارتي فتوجهت به الى المنزل اخاه بجدة حيث كان بعض الاخوة بانتظارنا هناك،وفي عجلة قام الاخوة باحضار خشبة الغسل من اقرب مسجد وتجهيزه مكان الغسل والكفن وطلبت من الاخوة انزال التابوت وبه الجثمان من السيارة وفتحنا التابوت واخرجنا الميت منه ووضعناه على خشبة الغسل ووضعت سترة الغسل عليه لتجريده من ملابسه وكان اخونا بالله ممتلئ الجسد وغسله كان سريعا لم نصادف اي عقبات ونواقص في تجهيزه وحملناه على خشبة النعش وطيبناه وكفناه وادخلناه مجلس المنزل وكانت الساعة تشير الى الواحدة صباحا ويحضر مرافقيه من المطار وشاهدنا رحميه نقف خارج المنزل ظنا اننا ننتظره ودخل مسرعا مشمرا ثيابه لمساعتنا وسأل اين مكان الغسل؟ قلت:لقد انتهينا وهناك وقت كافي قبل صلاة الفجر وندفنه في مكة المكرمة على مسؤوليتي ،والمتبع هنا يا اخوان يمنع الدفن في مكة المكرمة في شهر ذي الحجة فقط كما ذكرت سابقا لكثرة الحجيج والازدحام ويسمح ببقية السنه بشرط اجباري لا بد من اعطاء نقطة تفتيش الشميسي صورة من تصريح الدفن وشهادة تبليغ الوفاة وعدم وجودها يتم رفض دخول الجنازة الى مكة المكرمة وفي هذا الوقت هناك ثلاث نفقات تفتيش عند دخولك الى مكة المكرمة ولا بد ان نقف بها جميعا لاثبات الهويات
سبحان الله نتوجه الى مكة وسيارات مرافقين الميت من اقاربه واصدقائه من الخلف وامام سيارة الاسعاف ونقترب من نقطة التفتيش الاولى ويتم سؤال هويات المرافقين من جميع السيارات من الامام والخلف ولا يتم سؤالي عما في داخل السيارة وكذلك في النقاط الاخرى وكنت انا ممسك بصورة تصريح الدفن وتبليغ الوفاة من نافذة السيارة للخارج ومع ذلك مررت من جانب رجل الامن ولم يستوقفني وياخذ التصريح حتى انه لم ينظر الي ،ودخلنا مكة المكرمة قبل اذان وصلاة الفجر بساعتين واكثر تقريبا واذا ذهبنا بالجنازة الى الحرم المكي بهذا الوقت مبكرا فسوف يطلب منا رجال الامن عند بوابات الحرم بانزال الجنازة عند مدخل الحرم ويطلب منا الصلاة على الجنازة جماعة وحملها للمقبرة للدفن نظرا لشدة ازدحام الحجاج واهل الميت يريدون الصلاة عليه داخل الحرم
فقال اخاه: دعنا يا شيخ نذهب بالجنازة الى منزل الوالد مع الوالده وزوجته هناك ليشاهدوه ويسلموا عليه حتى قرب اذان الفجر ندخله الحرم المكي وكان منزلهم قريب من الحرم فتوجهت الى المنزل وادخلت الاسعاف الى الفناء وقال اخاه:لا تنزله يا شيخ من السيارة فقط افتح الباب الجانبي واكشف الكفن عن وجه اخي وسوف ينزلوا افراد الاسرة للسلام عليه وتوديعه وهو داخل السيارة فقمت بذلك ثم اشاهد والده ينزل من المنزل وهو محمول على الاكتاف معانق من قبل معارفه ليس لكبر سنه ولكنه كان منهار القوى لهول المصيبة وادخلوه الى السيارة
وشاهد ابنه ممددا بكفنه ووجهه مكشوف وقام بتقبيل جبينه وهو يبكي بداخل هستيريا ينتفض جسده كاملا ولم يتحمل المنظر ووقع من طوله بداخل السيارة على رجليه وانزلوه من السيارة وهو منهار واردت ان اقفل الكفن كما كان بجنبي رحميه وهنا كانت العبرة يا اخوان وهنا الشاهد بالقصة يا اخوان رايت منظر رهيب جدا لم ارى مثله في حياتي ولا في مدة عملي في هذا المجال ،ماذا رايت؟
رايت عينيه اليمنى تدمع بشكل غريب وكأنه يبكي دموع تخرج من عينه اليمنى وتسيل على خده وتبلل الكفن من تحت خده الايمن فقلت في نفسي :يمكن طول مدة بقاءه داخل الكفن او السيارة مع العلم ان مكيف الاسعاف كان على ااعلى درجة من البرودفقمت بمسح الدموع بثوب الكفن من ناحية راسه واقفلت على وجهه واذا برحيمه الذي شاهد المنظر
يقول لاخيه:هل شاهدت فلان وهو يبكي ؟ قال:لا،قال:اذهب وانظر اليه ثم حضر اخاه وطلب مني ان اكشف عن وجه اخيه قلت:لقد شاهدت قال:لا يا شيخ اريد ان يرى اخاه هذا المنظر ارجوك يا شيخ اكشف عن وجهه فكشفت عن وجهه للمرة الثانية وهنا كانت المفاجأة ا زالت الدموع تخرج من عينه اليمنى فقط وشاهد اخاه هذا المنظر فما كان الا ان يرتمي الى صدر اخاه ويقبله بجبينه وهو يبكي ويحضنه بقوة منظر مؤثر رهيب يا اخوان لم اشاهد مثله مدة عملي في هذا المجال بعد طول هذه المدة يموت يوم الثلاثاء خارج المملكة ويوضع في الثلاجة لمدة يوميين ثم شحن بطائرة في تابوت الى المملكة ونقوم بتجهيزه والسفر به الى مكة ونشاهد الدموع تخرج من عينه اليمنى فقط وهناك الفرق يا اخوان بين دموع العين وعرق الجسم ثم انتظرنا حتى الأذان الاول من الفجر قبل الذهاب به الى الحرم للصلاة عليه لماذا انتظرنا يا اخوان ؟
انتظرنا كما ذكرت سابقا لازدحام الحجيج في هذا اليوم الخميس واكثرهم صيام فاذا وصلنا في الجنازة مبكرا سيتم رفض دخول الجنازة الى الحرم لطول الوقت من قبل امن البوابة ويطلب انزال الجنازة بجانب المدخل والصلاة عليها جماعة مبكرا مع اهل الميت والحاضرين وحملها للدفن بسبب شدة الازدحام وعدم تأخير الجنازة بعد الاذان الاول توجهت الى المدخل الرئيسي لدخول الجنائز المؤدي الى باب السلام فاذا برجل امن المدخل يمنعني من الدخول فقلت له:معي الجنازة قال:اعرف لكن اين تدخل انظر امامك الحجاج لقد افترشوا الشارع حتى المدخل للصلاة قلت:اين اذهب بالجنازة؟ قال:اذهب من المدخل الرئيسي من الشارع العام بالغزة ذهبت مسرعا وقبل ان اصل الشارع العام يستوقفني رجل المرور يقول لي: اين تذهب؟ قلت: معي جنازة قال:انظر امامك الحجيج يفترشون الشارع مثل الجراد في زحف وتقدم الينا لن تستطيع الدخول لكن اقول لك إنزل بالجنازة هنا لحملها داخل الحرم
قلت:لا بد ان اذهب الى المقبرة قبل الجنازة لاعطائهم اصل تصريح الدفن وصورة تبليغ الوفاة قال:بعد انتهاء الصلاة وف ادعك تخالف السير للذهاب للمقبرة ،يا اخوان فقط كلمتين مع رجل المرور من زجاج السيارة ثم اردت الخروج لفتح باب السيارة الخلفي لاخراج الجنازة فنظرت امامي فوجدت جنازة محمولة على الاكتاف تسير من امام السيارة وقبل ان انزل من السيارة قام الحجاج بفتح باب السيارة واخرجوا الجنازة وحملوها الى الحرم ويقول لي احد المرافقين للجنازة انه لم يستطيع حمل الجنازة سوى مرة واحدة من كثرة من يحملونها وصليت الفجر بجانب السيارة وبعد الانتهاء من الصلاة سمعت إمام الحرم وهو يقول الصلاة على الأموات يرحمكم الله ،
كان في ذلك اليوم ثمانية جنائز صلوا عليها بالحرم (5)رجال و(3)نساء صلوا عليهم اكثر من 2مليون مسلم وكانت الجنائز يذهبون بها المقابر الممتلئة والجنازة التي نحملها اول جنازة تدفن ويقوم بانزال الجنازة في القبر وتاحيد الميت وفك الاربطة وتغطية القبر بالتراب ووقف الكثير من المرافقين للجنازة وكان يغلبهم كثرة الحجاج بإحرامهم وقفوا على شفير القبر يدعوا للميت في الفجر المبارك من الشهر المحرم بعد ان صلو عليه ودعا له بالحرم اكثر من2مليون مسلم
انظروا الى هذا الاجر وهذه الميتة ،اسال الله ان يتقبل دعواهم ويتغمد هذا الميت برحمته ،ولكن ما قصة هذا الميت ؟
قمت بسؤال بعض الحاضرين عنه فكانت اجاباتهم من كلمتين فقط كذلك اقربائه نفس الاجابة ،ماذا كانت تلك الاجابة؟كلهم اجمعوا ان هذا الشاب كان رضي بوالديه ،فقط عندما سمعت الاجابة اولا تعجبت لكن عندما جلست مع نفسي تذكرت ان ذلك ليس بغريب على قول الله تعالى:((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ))

واسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة في الدنيا والاخرة.

نبيل العوضي يحقق أمنية إبراهيم ( داعية على سريره )

نبيل العوضي يحقق أمنية إبراهيم ( داعية على سريره )










نبيل العوضي يحقق أمنية ولد البحرين إبراهيم ناصر
( داعية على سريره )


لعل الكثير منا وصله إيميل الذي يحكي قصة الشاب البحريني ( إبراهيم ) -إقرأ قصته بالكامل - المصاب بإعاقة منذ نعومة أظفاره حيث اكتشف والديه بأنه مصاب بضمور بعضلاته وبعد صراع مرير مع الأمراض والمفاجات التي كانت تنتظر إبراهيم بين زوايا الأيام وما يخفيه القدر من إبتلاءات عاش والديه مع صبر جميل تعجب الدهر منه ، كانت نتيجته أن  أقعد فلذت كبدهم على السرير الأبيض لا يحرك شيء من جسده ، إلا أن إبراهيم بطموحه وعلو همته حول هذا السرير وهذه الإعاقة إلى منحة من الله يغبطه عليه الكثير ، فاستخدمها في طاعة الله عز وأصبح داعية وهو على سريره ليضرب لنا أروع مثال للطموح والإصرار والتحدي وأن الدعوة إلى الله عزوجل لا تقف أمامها شيء ، تعجب كثيرا عندما تعلم بأن إبراهيم لا يتحرك منه سوى أنامله ورأسه ، وتعجب أيضا عندما ترى الأب الصابر والأم المحتسبة والأخ المبتسم والأخت المعينة عائلة تقف بجانب ابنهم ليخرج لنا نموذج من الصبر والتضحية والطموح الدعوة في آن واحد .

المهم بأن قصة إبراهيم وصلتني في أول مرة من الشيخ نبيل العوضي فسألت الشيخ عنه فأخبرني بأن الرسائل تتوالى عليه وأنه سيزوره في الأسبوع المقبل حيث كانت للشيخ محاضرة في جائزة الإبن البار في مملكة البحرين ، وبعد عودة الشيخ من البحرين كنت مشغول في إعداد حلقات برنامج ( مشاهد ) ظننت أن الشيخ زاره والتقى به وبعد استكمال حلقات برنامج مشاهد من حيث الإعداد لمحت لي فكرة اتصلت في حينها على الشيخ مباشرة لأسأله هل زرت الشاب البحريني – وكنت لا أعرف اسمه – فقال لي للأسف لم أزره  بسبب ضيق الوقت وسيزوره في أقرب زيارة إلى البحرين ، إلا أنني أخبرت الشيخ بأن يؤجل زيارته وأنني أفكر في أن تكون الزيارة مصورة لحلقة من برنامج ( مشاهد ) أعجب الشيخ نيبل بالفكرة .

الذي قرأ منكم قصة إبراهيم والإيميل المنتشر يعلم بأن إبراهيم تأثر كثيرا بأشرطة ومحاضرات وبرامج الشيخ نبيل العوضي ، وأن إبراهيم أمنيته أن يلتقي بالشيخ نبيل ويصافحه ، فقررت مع المخرج أن نرتب تصوير مع إبراهيم دون أن نخبره بأن الشيخ نبيل سيزوره وأنه مجرد لقاء لقناة فضائية وندخل عليه الشيخ نبيل فجأة وتكون لننقل الفرحة للمشاهد الكريم عبر برنامج مشاهد وفي نفس الوقت نحقق أمنية إبراهيم ، وبعد إتصالات وترتيب مع الشيخ حسن الحسيني والشيخ فيصل الغرير تم ترتيب اللقاء مع إبراهيم وأخيه دون أن نخبره بأن ا لزيارة للشيخ نبيل إلا أن إبراهيم بذكاء أحس بأن هناك مفاجأة دون أن يعرف ما هيتها بالظبط ، فأعددنا العدة واتجه الشيخ نبيل إلى مطار الكويت وتم تسجيل الفقرة الأولى من الحلقة في المطار ليمهد للمشاهد من هو إبراهيم وقصته باختصار ..



وهذه صورة الشيخ نبيل في المطار

لا أعرف كيف كان شعور إبراهيم وهو يرى الشيخ نبيل العوضي يفتح باب غرفته ليشاهده أمامه بعد أن كانت أمنية أصبحت حقيقة يراها بعينه ، لكن حتما لو أن إبراهيم تحدث لما عرف كيف يصل لنا شعوره في تلك اللحظات التي كان ينتظرها منذ زمن ،




هاهي لحظة دوخول الشيخ نبيل العوضي على إبراهيم ..



وهنا الفرحة على وجه إبراهيم وسعادته لا توصف ...


وقبلة حانية من نبيل العوضي على جبين الداعية إبراهيم ...



وهنا الشيخ نبيل العوضي مع والد إبراهيم وأخوه محمد

وبدأ حديث الشيخ نبيل العوضي مع إبراهيم حول الدعوة عبر الشبكة العنكبوتية والجهود  التي يبذلها فيها وذكر له بعض القصص والمواقف .

 


وفي أثناء تصوير الحلقة سأل الشيخ نبيل العوضي سؤال لإبراهيم هذا السؤال جعل إبراهيم تعود به إلى ذكريات كثيرة قلب من خلالها مواجع وهو يتذكر مشاهد من حياته ومعاناة تعجبت الأيام من صبره ، جعلت إبراهيم يجهش بالبكاء بل بكى بكاء مريرا ولا أخفيكم سرا بأنني لم أستطع أن أخفي دموعي أثناء مونتاج الحلقة لأن الذكريات هذه تمر على كل شخص منا ، وهذه صورة لإبراهيم حينما مر عليه شريط حياته بعد سؤال الشيخ نبيل العوضي له




إبراهيم لم يتمالك دموعه حين طافت به ذكريات أليمة


هنا الشيخ نبيل العوضي يمسح دموع إبراهيم .


 
وهنا يهدئ من روعه ويرقيه بعد أن أجهش إبراهيم بالبكاء .

 

 أنا أعرف عزيزي القارئ بأنك تود أن تعرف ما هو هذا السؤال وما هي هذه الذكريات ، التي قلبت مواجع إبراهيم فانهالت دموعه أمام الشيخ نبيل العوضي  لن أحرق عليك تلك الفقرة من الحلقة وأتركك أن تشاهدها بنفسك في هذه الحلقة التي ستعرض في برنامج مشاهد بإذن الله . في الثامن عشر من رمضان .



 

ثم ودع الشيخ نبيل العوضي إبراهيم وأسرته محققا أمنيته ومشجعا له أن يستمع في الدعوة إلى الله عز وجل ويصبر ويحتسب ويكون عونا لوالديه  وتراركا معه ذكريات لن ينساها إبراهيم أبدا وفي نفس الوقت تعلم  الشيخ نبيل من جلسته مع إبراهيم دروسا وعبرا وتأثر شخصيا قصته سيحكيها لنا الشيخ ما استفاده من إبراهيم عبر حلقته في برنامج مشاهد  بإذن الله تعالى

هذه الحلقة وهذا المشهد من المشاهد التي تعجلك تعيد النظر في نفسك التي بين جنبيك ، فأنت صحيح أعطاك الله تلك الجوارح فبماذا استخدمتها وبماذا عصيت الله بها ، حقا إنها تجعلنا نحاسب أنفسنا في هذه الدنيا قبل أن يأتي يوم فنحاسب عن كل حركة وسكنة هل كانت في طاعة الله أم كانت في معصية الله ، وهل كانت خالصة لله عز وجل أم كانت للبشر نصيب منها ...

 

أخيرا أسأل الله أن يبارك لإبراهيم في وقته وجهده وعلمه ويشافيه ويعافيه ويرزق ووالديه الصبر ويعينهم على طاعة ربهم ويحفظهم من كل مكروه .